الصناعات التقليدية في الخليل |
الصناعات التقليدية في الخليل

تحتل الصناعات التقليدية الفلسطينية مكانة خاصة بين فروع الصناعة في فلسطين ، نظرا للبعدين التراثي والاقتصادي اللذان تحملهما هذه الصناعة، فهي من جهة تعبر عن تاريخ وثقافة الشعب الفلسطيني، حيث تجسد الوجود الفلسطيني على ارضه عبر حضارات متواصلة، كما تشكل هذه الصناعات مصدرا حقيقيا لتنمية الدخل الوطني اذا ما تم استغلالها وتطويرها بالشكل المطلوب، ففلسطين لم تحظ بوافر من الثروات الطبيعية الثمينة كالذهب والبترول ، الا ان كونها مهدا للديانات السماوية، وعلى ارضها نمت وترعرعت العديد من الحضارات التي تركت اثارها حتى يومنا هذا، ا جعلها قبلة للسياح والحجاج على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم.

ولقد ارتبطت الصناعات التقليدية منذ زون طويل بقطاع السياحة وهكذا فقد شهد هذا القطاع حالات مد وجزر منذ الاحتلال الاسرائيلي عام 1967حيث شهد في كثير من الاوقات ركودا نتيجة انعكاسات سياسة الاحتلال السلبية والتي كانت واضحة المعالم على الصناعات التقليدية بما صاحبها من اغلاقات متكررة من قبل سلطات الاحتلال والمعوقات الضريبية منها والادارية في القضاء على فرص وامكانيات تسويق منتجات هذه الصناعة.

ومنذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، استهدفت التوجهات التنموية نحو حل مجموعة من المشكلات الاساسية في الاقتصاد الفلسطيني وتبرز في المقدمة مشكلة البطالة وضرورة توفير فرص عمل تضمن ارتفاعا في المستوى المعيشي للشعب الفلسطيني في ظل امكانيات مادية محدودة، وقد شددت هذه التوجهات على تنمية وتطوير المشاريع الصغيرة التي من شانها تحقيق فرص تشغيلية اكبر براسمال اقل.
وتصنف الصناعات التقليدية في فلسطين الى حوالي سبع عشرة حرفة منها الخزف -الزجاج اليدوي التقليدي – الفخار – التطريز اليدوي – البسط والسجاد اليدوي – منتجات خشب الزيتون – الصدف – الخيزران – القش – الشمع – الفسيفساء وغيرها غير ان الاصناف الرئيسية كما يلي:

صناعة الخزف :

يعود تاريخ صناعة الخزف في الخليل الى فترة لا تقل عن 400 عام حيث كان الاتراك هم اول من ادخل هذه الصناعة الى فلسطين من خلال عمليات ترميم المسجد الاقصى المبارك وتعتبر مدينة الخليل حاليا المدينة الفلسطينية الاولى في انتاج الخزف حيث تم انشاء اول مصنع عام 1962، وازدهرت هذه الصناعة على مدى العقود الماضية حيث ارتبطت هذه الصناعة بهذه المدينة التي تعرف بمدينة خليل الرحمن ايضا نسبة الى ابي الانبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام. وازداد عدد المصانع ليصل الى اكثر من ثلاثين مصنعا قبل بداية انتفاضة الاقصى ثم يعود لينخفض الى اقل من النصف في بداية الانتفاضة ثم يعود لينتعش قليلا في الوقت الراهن.

ويبلغ عدد العاملين في هذه الصناعة حوالي 200 عاملا في الوقت الراهن بمعدل 10 عمال في المنشاة الواحدة وتصل قيمة الانتاج السنوي لهذه الصناعة 3 ملايين دولار ، يتم تسويق 30% من الانتاج محليا و 40% منه يصدر الى اسرائيل و 30% تصدر الى الخارج خصوصا دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية وكذلك بعض الدول العربية.

تستورد المواد الخام وهي الصلصال او الطين الابيض ومسحوق الزجاج والاصباغ من اوروبا وقد قامت محاولات من قبل مصنعين محليين لانتاج المادة الخام محليا، الا ان تكاليف الانتاج كانت اعلى من تكلفة الاستيراد بسبب عدم توفر جميع المواد الطبيعية اللازمة في التربة الفلسطينية.

صناعة خشب الزيتون:

تعتبر صناعة خشب الزيتون من اقدم الصناعات التقليدية حيث يعود تاريخها الى القرن السادس عشر، وظهرت مع قدوم البعثات التبشيرية الى الاراضي المقدسة، وبدات بصناعة المسابح عندما حاول الرهبان الفرانسيسكان تشكيلها من بذور الزيتون، وتطورت هذه الصناعة الى انتاج اشكال دينية تسوق الى السياح المسيحيين في منطقة بيت لحم.

تستخدم في هذه الصناعة اخشاب شجر الزيتون الضعيفة التي لا تحمل ثمارا فهي بذلك لا تتسبب في اضرار على القطاع الزراعي، وقبل العام 1967 كانت اغلب الاخشاب تحضر من سوريا والاردن، اما بعد الاحتلال فاصبحت مناطق رام الله ونابلس هي المورد الاساسي لهذه المادة.

صناعة الزجاج اليدوي التقليدي:

عرفت صناعة الزجاج اليدوي في فلسطين منذ القدم، وذلك عبر الحضارات القديمة التي قامت على اراضيها وتطورت بشكل واضح بعد دخول الاسلام حيث ابتكرت اساليب متنوعة في الالوان والزخارف.

وتتركز هذه الصناعة بشكل خاص في مدبنة الخليل، حيث يوجد اربعة مصانع، يعمل في صناعة الزجاج حوالي 30 عاملا، تلقوا تدريبهم من خلال العمل في مصانع ابائهم حيث يغلب على هذه الصناعة كغيرها من الصناعات التقليدية النمط العائلي .
ولعل اهم متطلبات العمل في مهنة الزجاج هو تحمل مشقة العمل امام افران الحرق، وتوفر الروح الابداعية والفنية التي تؤهل العامل لاكتساب مهارات التشكيل،و تعتمد صناعة الزجاج على المواد الخام المحلية التي غالبا ما تكون من مخلفات الزجاج، لذا فهي صناعة صديقة للبيئة على الرغم من ذلك فان افران الشي التي ما زالت تستخدم زيوت الديزل والوقود الضار بالبيئة يعتبر من اهم المشاكل التي لا بد من معالجتها لتطوير هذه الصناعة بالاساليب العلمية التي تواكب المتطلبات البيئية.

يقدر الانتاج السنوي بنصف مليون دولار وتتوزع اسواق منتجات الزجاج اليدوي على شكل
50% تسوق الى اسرائيل، 40% تسوق في اوروبا عبر المعارض بشكل خاص، 10% تسوق في الدول العربية ويشكل اساسي في الاردن.

صناعة الفخار:

تعتبر صناعة الفخار من الصناعات البدائية والاكثر قدما بين الصناعات التقليدية في فلسطين، حيث واكبت الحضارات الانسانية منذ ازل حتى يومنا هذا، وما زالت هذه الحرفة تمارس في مختلف المناطق والقرى الفلسطينية، بل انه حتى وقت قريب كانت كل منطقة متخصصة في انتاج اشكال معينة من الاواني الفخارية، الا ان الامر لم ياخذ في أي حال طابع الصناعة المتطورة، بل بقي يتسم بالطابع العائلي وامنزلي، ياستثناء مشاغل محددة انشئت في الخليل و يوجد اضافة لذلك 16 مشغلا في الخليل تشغل 96 عاملا، و. يغلب على هذه الصناعة التقليدية الطابع العائلي من حيث ملكية المنشاة والعمالة المشتغلة ، حيث يعتبر جميع العمال من الاقارب الذين يتوارثون هذه المشاغل من الاباء.

وهذه المصانع لا زالت تستعمل معدات بسيطة من الدولاب وفرن الشي الذي يعمل على حرق الحطب وزيت الديزل، مما يسبب اضرارا بيئية. اما مجموع راس المال المستثمر في هذا القطاع فقد بلغ نصف مليون دولار، ولا نستطيع تقدير انتاج سنوي محدد لنقدر ذلك على منشات الفخار، فيما يمكن تقديره بحوالي مليون دولار وتعتبر اسرائيل السوق الرئيسي لمنتجات الفخار حيث يصدر اليها 70% من الانتاج فيما يتم تصدير 20% للاسواق الاوروبية والامريكية ويتم تصريف ال 10% الباقية في الاسواق المحلية الفلسطينية.

تطور الصناعات التقليدية

بعض هذه الصناعات شهد تقدما ملموسا خلال العقدين الماضيين مثل صناعة الخزف التي تطورت تطورا هائلا لحد ان هذه الصناعة فرضت نفسها على السوق العالمي وربما يعود ذلك الى الادخال الجزئي لقسم من الالات في بعض مراحل العمل وقد تضاعف عدد العاملين في هذا المجال بينما تراجع عدد العاملين في صناعات اتفليدية اخرى
و بهدف الحفاظ على الصناعات التقليدية عملت بلدية الخليل على الترويج دوليا لهذه الصناعة حيث اعتمد رئيسها خالد العسيلي اهداء كافة ضيوفة شعارا يمثل الصناعات اليدوية و المناطق الاثرية التاريحية كما عمل اصحاب المصاتع و المعامل على انشاء اتحاد خاص بهم لضمان رعاية و تطوير هذه الصناعات و الحفاط عليها بما يضمن استمرارية توفر فرص العمل للحرفيين و الدخل لاصحاب هذه المنشات .

وقد تأسس اتحاد الصناعات التقليدية في فلسطين في اواسط عام 1997 من المشتغلين في حوالي 17 صناعة تقليدية مختلفة منها خشب الزيتون والصدف والخزف والزجاج والفخار والتطريز والقش والخيزران والبسط والشمع والفسيفساء والنحاس والجبص وغيرها وقد انتسب الى هذا الاتحاد حتى الان ما يقارب الثمانين مشتغلا ومن اهداف هذا الاتحاد الدفاع عن مصالح أعضائه وحماية حقوقهم وابداعاتهم وتصاميمهم وكذلك العمل على الحفاظ على الجودة والطابع الفلسطيني التقليدي لهذه الصناعات والمساهمة في المعارض المحلية والدولية والعمل على رفع نسبة التصدير بالتعاون مع الوزارات المعنية وذلك عن طريق فتح اسواق خارجية للتصدير والترويج للبضائع الفلسطينية في الدول المعنية باستيراد الصناعات التقليدية الفلسطينية.

الصناعات التقليدية وقابلية التصدير

ان معظم الصناعات التقليدية تعتبر محظوظة بالنسبة للكثير من الصناعات الاخرى التي بدا الكثير منها يعاني في ظل عصر التجارة الحرة واتفاقية الجات وتخفيض او الغاء الضرائب على البضائع المستوردة مما وضع الكثير من هذه الصناعات في مازق خطير بينما تمتاز معظم الصناعات التقليدية الفلسطينية بالتميز والخصوصية عالميا مما يجعل معظمها قابلا للتصدير كالخزف والفخار والزجاج وخشب الزيتون والصدف والفسيفساء وغيرها والمنافسة عالميا في ظل اصعب الظروف من ناحية النوعية والسعر.وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية ومعظم الدول الاوروبية واستراليا اسواقا محتملة للصناعات التقليدية الفلسطينية بالاضافة الى بعض الدول العربية خصوصا الاردن ودول الخليج العربي , حتى الكثير من دول افريقيا هي في الواقع اسواق محتملة لهذه الصناعات


ماذا بعد

ويعمل اتحاد الصناعت التقليدية حاليا على انشاء مركز تطوير الصناعات الحرفية الفلسطينية
و الذي تبرع له الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بقطعة ارض مساحتها سبعة الاف متر مربع و تم اعداد هذه المسودة قبيل اندلاع انتفاضة الاقصى ولكن تجمد العمل فيها قبل ان يبدأ كما تجمدت كل المشاريع والاشغال في فلسطين ولكن لا زال يحذوهم الامل كبير في ان يتمكنوا يوما ما من انجاز هذا المشروع الذي سيعتبر احد المعالم السياحية الهامة فلسطين .

شارك هذا الموضوع